الاثنين، 29 يوليو 2013

الدولة العميقة في ليبيا


مصطلح الدولة العميقة ، وهي الان التي تحكم في البلاد ،سأبدأ في  بعض نشر  المصلطحات لزيادة وعي القارئ هنا لفهم ماذا يجري داخل أروقة الساسة في ليبيا:-
 «الدولة العميقة» اسم كان ولا يزال شائع الاستعمال في الخطاب السياسي التركي ـــ وفي بعض البلدان الأخرى وخاصة أمريكا اللاتينية ـــــ والمقصود به هو شبكة من العملاء المنتمين إلى تنظيم غير رسمي وتربطهم مصالح واسعة مع قوى داخلية وخارجية، ونقطة القوة الأساسية في هذا التنظيم هو أن قياداته الكبيرة تشغل مناصب رسمية في مؤسسات الدولة المدنية والسياسية والإعلامية والأجهزة الأمنية والعسكرية، وهذا ما يعطيها قوة هائلة على التخفي والفاعلية في تحقيق أهدافها في آن واحد من خلال تسخير مؤسسات الدولة الرسمية ذاتها لخدمة الأهداف غير المشروعة للدولة العميقة .
ما نعرفه عن الدولة العميقة في تركيا هو أنها ليست تنظيماً خارجاً عن القانون فحسب؛ بل هي تنظيم يعمل من داخل مؤسسات الدولة، وفي يده صنع واتخاذ قرارات خطيرة باسمها بحكم المناصب الرسمية التي يشغلها أعضاؤه. هو تنظيم له وجهان: وجه خفي لا يعلمه إلا أعضاء المنظمة السرية، وآخر علني يظهر به في صورة مسئول حكومي، أو حزبي، أو نقابي ، أو نائب في البرلمان، أو مسئول عسكري، أو أمني رفيع الرتبة، أو رجل أعمال، أو صحافي، أو نجم من نجوم الفن والرياضة.
ومن المهم أن نبحث قليلاً في خلفيات نشأة الدولة العميقة بهذا المعنى في تاريخ تركيا الحديثة؛ فربما نعرف منها ما الذي يحدث في ليبيا هذه الأيام ولماذا يحدث.
كانت تركيا أول دول العالم الإسلامي غرست فيها المخابرات الأمريكية « نواة ما عرف فيما بعد باسم الدولة العميقة، وذلك في سنة 1952 ، وكان الهدف الأساسي هو التحكم في قرارات قيادات الجيش، وصناع القرار والمسئولين السياسيين الكبار في مختلف مواقع السلطة والإدارة العامة في الدولة التركية. وبمرور الوقت تضخمت «الدولة العميقة» غير الرسمية، حتى أضحت دولة موازية للدولة التركية الرسمية. وكلما كانت تركيا تتجه خطوة نحو التحول الديمقراطي بإجراء انتخابات حرة تأتي بأحزاب وقوى وطنية وإسلامية للسلطة، تحركت أركان الدولة العميقة وأشاعت الفوضى بأعمال العنف في البلاد لإجهاض هذه الخطوة وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها. وهكذا عانت تركيا من سلسلة جرائم بشعة ارتكبتها «الدولة العميقة» ولم تتوقف عن ارتكابها منذ سبعينيات القرن الماضي.
ولكن لما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بانتخابات حرة في ديسمبر سنة 2002، وأصبح رجب طيب أردوغان رئيساً للحكومة. وجدت حكومته أنه قد آن أوان التخلص من الدولة العميقة واستئصال شأفتها، وتقويض أركانها، وخاصة أنه كان قد نما لعلم حكومة أردوغان أن «الدولة العميقة» أعدت خطة سنة 2003 للإطاحة بها بعد شهور قليلة من الانتخابات التي أتت بأغلبية برلمانية نسبية لحزب العدالة والتنمية!!. وأدركت حكومة أردوغان أن صعوبة هذه المعركة وتعدد وتعقد أطراف الدولة العميقة تفرض العمل وفق خطة محكمة وطويلة النفس للقبض على أقوى شبكة منظمة للدولة العميقة وهي المعروفة باسم «أرجنكون»، وتقديمهم للقضاء وفق الإجراءات القانونية.
 وبالفعل تذرعت حكومة أردوغان بالصبر على الأرجنكون وأركان الدولة العميق من جهة، وتذرعت من جهة أخرى وفي نفس الوقت بالعمل الجاد في إصلاح الأحوال الاقتصادية، ورفع متوسط الدخل الفردي، ومحاربة الفساد في المحليات/البلديات وفي البيروقراطية العامة للدولة؛ وذلك كي تضمن أن كل مواطن من السواد الأعظم قد امتلك قوت يومه، وأصبح لديه شيء يخاف عليه، حتى إذا ما بدأت المواجهة مع دولة الفساد العميقة ضمنت الحكومة تأييداً شعبياً واسعاً لها. وهكذا لم تبدأ المواجهة الحقيقية بين حكومة أردوغان والأرجنكون إلا في يونيو سنة 2007؛ أي بعد أن أنهت مدة ولايتها الأولى، وكانت قد نجحت في مضاعفة متوسط دخل الفرد ثلاث مرات من 2300 إلى حوالي 9000 دولار في السنة.
توالت وقائع المواجهة بين حكومة أردوغان والدولة العميقة بطريقة «خطوة خطوة»» أو «قضمة قضمة»؛ بدأت  بإلقاء القبض في يوليو سنة 2007 على عدد من المتهمين العاديين كانت لهم صلة بأعمال إرهابية وتخزين أسلحة في أحد مساكن اسطنبول. ثم تطورت المواجهة في مارس ويوليو من عام 2008، عندما تم القبض على مجموعة أخرى مكونة من 14 شخصاً كانوا يشغلون مناصب رفيعة، منهم مثلاً زعيم حزب العمال المعارض، وقائد سابق للأمن الداخلي، وقائد سابق للجيش الأول التركي. وفي خطوة ثالثة تم القبض على 84 متهما جديداً في قضية الأرجنكون أيضاً، وفي تلك المرة تصاعدت حملة القبض وشملت ذوي مناصب أرفع من سابقيهم، كان منهم ثلاث من  قيادات الجيش المتقاعدين، وعدد آخر من رجال الجيش والشرطة وبعض الصحفيين ورؤساء الجامعات المتقاعدين. ثم تواصلت الحملة في يونيو 2009 باكتشاف مؤامرة عرفت باسم «مواجهة الرجعية» دبرها بعض قادة الجيش من سلاح البحرية. وكان المقصود هو التمهيد لانقلاب عسكري والإطاحة بحكومة العدالة والتنمية بعد انتخابها في ديسمبر سنة 2002(لاحظ أن الحكومة لم تعلن عن هذه المؤامرة إلا في يونيو 2009، وقدمت المتهمين للمحاكمة بأدلة دامغة بعد أن نشرت صحيفة «طرف» التركية وثيقة تتضمن خطة الانقلاب ضد الحكومة المنتخبة).
وظلت المواجهة بين الحكومة والدولة العميقة مفتوحة: الحكومة تعمل وتنجز في الداخل والخارج، والبحث جار على قدم وساق للإمساك بأعضاء منظمة الأرجنكون وحلفائها في الدولة العميقة. وفي فبراير 2010 تم القبض على عدد آخر منهم، ثم في يوليو 2010 دخلت المواجهة مع الدولة العميقة طوراً أكثر خطورة بالقبض على 196 متهماً دفعة واحدة، من بينهم 25 جنرالاً كانوا لا يزالون في خدمتهم بالقوات المسلحة التركية. وبلغت المواجهة ذروتها في الأسبوع الأول من يناير هذا العام 2012 بالقبض على رئيس أركان القوات المسلحة السابق بشحمه ولحمه واسمه إلكر باشبوغ، وهو قيد الحبس على خلفية علاقاته بمنظمة الأرجنكون والتآمر معها للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية المنتخبة من الشعب.
أنا أدرك تماماً أن ثمة فروقاً واختلافات كبيرة بين الحالة التركية وحالتنا في ليبيا. ولا يمكن أن نقول إن حالتنا هي حالتهم بالتمام والكمال. ولكن ثمة أيضاً أوجه للشبه بين حالتنا وحالتهم، وثمة أيضاً الكثير من الدروس المفيدة التي يمكن استخلاصها مما أوردناه بشأن وقائع المواجهة بين دولة الإرادة الشعبية التي تمثلها الحكومة المنتخبة بزعامة أردوغان، وبين دولة الفساد والاستبداد ومنظمات الأعمال الإجرامية التي تسمى «الدولة العميقة»؛ في تركيا وفي ليبيا.
المصدر السبيل منقول بتصرف يسير